محام وخبير دستوري
في العاشر من شهر آب من العام المنصرم، أحالت حكومة الرئيس حسّان دياب وقبل إستقالتها، قضيّة إنفجار المرفأ إلى المجلس العدلي، عملاً بأحكام المادة/355/ من قانون الأصول الجزائية المعدّل.
وفي تاريخ 13 منه، سمّت وزيرة العدل بالإتّفاق مع مجلس القضاء الأعلى، القاضي فادي صوّان مُحقّقًا عدليًا في هذه الجريمة، سندًا لأحكام الفقرة الثانية من المادة/360/ من نفس القانون.
لم يحتسب الساسة يومًا، أنّ التحقيق يمكن أن يطاولهم، فتعوّدوا على تجهيل الفعلة، أم إلصاق التّهم ببعض من المسؤولين والموظّفين والمُقصّرين الصّغار...
لكنّهم فوجئوا أنّ المُحقّق العدلي القاضي فادي صوّان، خَرَقَ المحظور، ورتّب مسؤوليات، وباشر مُلاحقات، طاولتهم ولأوّل مرّة منذ نشأة النظام.
شُنّت الحرب على القاضي صوّان، بِغَرض إبعاده عن ملّف التحقيق، وتمكّنت قوى السلطة من دَحْر هذا القاضي في 18/2/2021، بعد إنكشاف أمره ودَوره في فضيحة «الزُجاج المكسور» (كَوْن منزله قد تضرّر جرّاء الإنفجار، وبالتالي فَقَد حياديتّه وموضوعيّته.... للأسف).
شكّل هذا القرار صفعةً مُدوّيةً للعدالة، وجاء بمثابة رسالة إلى كلّ قاضٍ يتجرّأ على حُكّام السلطة. لكن المُنتظر حصل، بتعيين القاضي طارق البيطار، مُحقّقًا عدليًا مكان القاضي صوّان، الذي خرج مرفوع الرأس عالي الجبين، شامخًا كشموخ أرز لبنان.
لم يُدرك الساسة أنّ مَن كُلّف سيجعلهم يترحّمون على مَن سَبَقه. فإنطلقت التحقيقات وتوسّعت، وطاولتهم دون أي إستثناء، وزراء ونوّاب ورؤساء حكومات وقُضاة وأمنيّين و... .
عَقَدَ الملاحَقون العَزْم على إبعاد البيطار، فأمطروه بِوابلٍ من المُراجعات، أمام باقة من المحاكم، رُدّت بغالبيّتها، في إنتظار ما بقي منها قَيد البّت، وما يُمكن أن يُفاجئنا به وكلاء المدَّعى عليهم.
من الثابت، أنّ ما يسعون إليه النوّاب المُلاحقون، الوصول إلى برّ أمان التاسع عشر من الشهر الجاري (تاريخ بدء العقد الثاني العادي لمجلس النوّاب)، حيث تعود الحصانات لهم، حتى إنقضاء مدّة العقد نهاية العام الجاري، ما لم يُصَرْ إلى إلحاقه بعقد إستثنائي يمتّد حتى بداية العقد العادي الأوّل للمجلس النيابي من سنة 2022.... وهكذا دوالَيْك... .
لكن المفاجأة، أنّ الحصانات النيابية قد سقطت. ومن المُنتظر أن يستكمل المحقق العدلي تحقيقاته وإجراءاته وإصدار مُذكّراته، حتى بعد التاسع عشر من الشهر الجاري.
فالمادة/40/ من الدستور تنُّص أنّه لا يجوز في أثناء دَوْر الإنعقاد، إتّخاذ إجراءات جزائية نحو أي عضو من أعضاء المجلس، أو إلقاء القبض عليه، إذا إقترف جُرمًا جزائيًا، إلاّ بإذن المجلس، ما خلا حالة التلّبُس بالجريمة.
لكن المادة/97/ من النظام الداخلي لمجلس النوّاب تاريخ 18/10/1994، تنُّص صراحةً أنّه إذا لوحق النائب خارج دورة الإنعقاد، تستمّر الملاحقة في دورات الإنعقاد اللاحقة، من دون حاجة إلى طلب إذن المجلس.
فالسؤال المطروح، هل تمّت المُلاحقة للنوّاب المُتّهمين خارج دورة الإنعقاد؟ كَوْن الإجابة بالإيجاب تعني أنّ لا حاجة الى طلب إذن المجلس للمتابعة في الإجراءات، إنما يستمّر المُحقق العدلي في عمله بلا أي تحفُّظ. وفي حال العدم، يعني أنّ طلب الإذن ما زال واجبًا.
جاء في كتاب الدكتور عاطف النقيب (الدكتور المحاضر، والقاضي اللامع) أصول المحاكمات الجزائية «دراسة مقارنة» ص/85/ منه ما حرفيّته:
«... وقد تعترض الباحث صعوبة في تحديد تاريخ بدء الملاحقة، وتواجهه بهذا الصدد إحتمالات ثلاثة يستتبعها التساؤل عمّا إذا كان هذا التاريخ يُحدّد، بوقت الإدّعاء بالجريمة موضوعيّاً، أو بتاريخ الإدّعاء بحّق النائب تخصيصًا، أو بتاريخ دعوته إلى المحكمة... ومن المُقرّر أنّ التاريخ المقصود هو تاريخ الإدّعاء بحّق النائب شخصيًا تحريكًا للدعوى العامة...».
مما يُفيد، أنّ المُحقق العدلي ومع إدّعائه على النوّاب المُتّهمين تخصيصًا، ودعوتهم للمثول أمامه بصفة مدّعى عليهم، يكون قد إدّعى عليهم شخصيّاً، وبالتالي حرّك الدعوى العامة في وجوههم. وباشر المُلاحقة بحّقهم. وفي الخُلاصة، تمّت ملاحقتهم أصولاً خارج دورة الإنعقاد، ولم يَعُد من حاجة إلى طلب إذن المجلس مُستقبلاً.
مع الإشارة، إلى أنّه يبقى لمجلس النوّاب، وَفَوْر بداية عقد تشرين الأوّل من العام الحالي، وعملاً بالمادة /97/ من النظام الداخلي لمجلس النوّاب، أن يُقرّر وَقْف الملاحقات القضائية في حّق النوّاب المعنيين، وإخلاء سبيلهم إن كانوا موقوفين، أثناء دَوْر الإنعقاد. على أن تعود الملاحقات والإجراءات فَوْر إنتهاء العقد دستورًا.
أمّا أنتُم، يا مَن تحاولون التلّطي خلف مُراجعات واهية، لا تهدف إلاّ إلى إعاقة عمل المحقق العدلي، نقول لكُم، مُكرّرين مع الكاتبة المغربية «مليكة أوفقير»: «لقد دمّرتُم لنا حياتنا، لكن العدالة لا بدّ أن تنتقم لنا».